Tuesday, April 26, 2011

حكايتي في سطور

توطئة

     في العالم المتقدم تكمن قيمة الإنسان في ما يعرف و يجيد، أما في العالم المتخلف فان قيمة المرء تكمن في من يعرف من الناس. فالمتقدم يطلب دائما الأفضل بينما المتخلف يريد أن يحافظ على من يعرف. هذا على مستوى القرار الرسمي و بالطبع لا يعنى انه لا حاجة لنا للتعارف فالمعرفة للناس الخيرة كنز كما تعلمون.
من هذا المنطلق أردت أن افتح صدري و افكارى لكل من يرغب في الخير و النهضة لبلادنا الحبيبة. و يؤسفنى في كثير من الحالات أن نكتشف الناس الطيبة بعد وفاتها ، فيبدأ  الأخوة في التعريف بها ، في حياته كان يشتاق للبلحة و بعد ما مات علقوا له عرجون كما يقول المثل . والعديد من الخبرات والأساتذة الليبيين في الخارج لا يعلم احد بدورهم الكبير و الذي هو في الواقع إسهاما ليبيَا. إلى متى نبقى نعيش في خوف من المجهول؟ علينا أن نتعارف على أن أفضلنا أكثرنا عطاء و في كل خير. و لقد كان لي شرف التعامل مع بعض الأساتذة و الذين تعلمت منهم الكثير، أمثال د موسى عمر ود خيري الصغيرو د أمين شقليلة و د عبد المجيد شقرون و د عمر الشيبانى على المستوى الجامعي الليبي. و لا يسعني إلا أن أدعو جميع المواقع الليبية لاستحداث ركن يهتم بالانجازات الليبية في كل المجالات فبلادنا فيها رجال كثر ولكننا كثيرا ما نهمل الاعتراف لأهل الفضل بيننا.

النشأة و الدراسة

        ولدت بمدينة درنة الزاهرة حيث ارتبط فى ذهني منذ الطفولة رائحة الزهر في الصباح والياسمين في المساء وخرير الساقية ومياهها العذبة وطعم الموز الذي كان يزرع في معظم البيوت. كانت مدينة درنة جميلة وجليلة فلقد سالت على سفوحها دماء الصحابة والفاتحين وخضبت جبالها دماء المجاهدين. فيها يتعانق الجبل الأشم مع البحر المتلاطم ولقد كان لهذا الجو أثرا بليغا في حبي لصعود الجبال ومعانقة الطبيعة، و لقد كان لإجلال الصحابة في نفوس أبناء درنة الأثر العميق في توجهي الديني وإجلالي للدعاة والعلماء والذي لازال ينمو مع الأيام.
    تعلمت في مدارس درنة الابتدائية والإعدادية والثانوية والتي أسميها مزارع الإخلاص فلقد تشربنا الإخلاص من رجال بسطاء لم يعرفوا الجامعات ولم يتخرجوا منها ولكنهم يعرفون قيمة الوقت والعمل وحب الوطن رحم الله من مات منهم وغفر الله لمن كان حياً وبارك لهم جميعاً في سعيهم . ولقد تميز أبناء مدينة درنة بالتفوق والأمانة العلمية وحب الوطن، على مستوى ليبيا وعلى مستوى الوطن العربي.  ففي مدينة درنة تلتحم منذ مئات السينين قبائل وعوائل تنحدر من جزيرة العرب إلى الأندلس والجميع يعتز بالانتماء إليها. ولازلت اذكر أول مظاهرة رأيتها في حياتي وأنا أبن ست سنوات خلال الاعتداء الثلاثي على مصر حيث خرج أبناء مدنية درنة على بكرة أبيهم في هجوم على معسكر الجيش البريطاني في درنة إنها روح الإباء والانتماء لخير أمة سارت على الأرض.
بعد إنهاء دراستي الثانوية التحقت بكلية الهندسة بطرابلس وتخرجت منها في مجال الهندسة الالكترونية سنة 1973م حيث تم إيفادي للدراسات العليا يجامعه كارنيقي ميلون بالولايات المتحدة الأمريكية والتي غادرتها بعد مناقشتي لرسالة الدكتورة مباشرة، فلم انتظر حتى حفل التخرج لأعود إلى الوطن وكلي أمل في المساهمة في بناء نهضة علمية ليبية وطنية. وبالفعل ساهمت قدر استطاعتي في تخريج عدد كبير من الدفعات قبل أن أقرر السفر إلى الخارج مضطرا من اجل تحسين مستواي العلمي والبحثي من جديد حيث أعمل منذ  يناير 1992م  في إحدى الجامعات الأيرلندية بدبلن، و ظللت أحمل هموم وطني في صدري أين ما كنت و أساهم بالكتابة على صفحات الانترنيت.


الجامعة

           كانت الجامعة الليبية في الخمسينات والستينات وأوائل السبعينات في تطورمستمرنحو الأفضل باستخدام أفضل عناصر التدريس واختيار أوائل الطلبة لإعدادهم ليكونوا أساتذة المستقبل ولقد توفر الجو العلمي للأستاذ والطالب وتوفرت الإمكانيات والكتب العلمية والبيوت الطلابية. أما الآن فالجامعات الليبية إمكانياتها أقل من معظم دول العالم الثالث ويعتمد العمل فيها على تضحيات المخلصين من العاملين فيها والنجباء من الطلبة ومن المؤسف أن مقياس اختيار أعضاء هيئة التدريس لم يعد المستوى العلمي وفي كثير من الأحيان يتم إيفاد من لا يستحق ذلك ولا يملك القدرة على التحصيل و أصبح القرار في يد حفنة من أعضاء اللجان الثورية.
 ولن تنهض الجامعة إلا بإعادة الاحترام للعلم والإبداع وحرية التفكير وحرية التعبير.
  فالجامعة هي قلعة علمية وليست معسكر ولا سجناً ولا مقبرةً ولا متحفاً فإذا كان الجامع يبنى لتعمير الآخرة فان الجامعة تبنى لعمارة الدنيا و كلاهما له دوره في الحياة العامة للوطن. و علينا الآن إعادة بناء و تطوير الجامعات و تحريرها من قيود الإدارة الأمنية و من تأثير أعضاء حركة اللجان الثورية.

الوطن

    الهم الأول والأخيرفى حياتي هو الوطن وأهل الوطن.  فبلدنا يزخر بالخيرات و كان حلمه أن يضاهي أوربا فأصبح في العقود الأخيرة يجري خلف أفريقيا ولا يلتفت إليه أحد. إن كتاباتي تعكس اهتماماتي في حد الممكن والمعقول فليس كل مايعلم يقال، وليس كل ما يقال يمكن فهمه، وليس كل ما يفهم قد يفيد. إننا في الغالب قوم لا نقرأ كثيراً ونخاف من الكتابة، ولا زلت اذكر د عمر التو مي الشيباني رحمه الله، كنا كلما التقينا في مناسبة نتحاور حول مشاكل الفكرو ندرة الكتّاب والكتب الليبية عبر العصور بسبب السلبية المميتة في تفكيرنا العام و الخوف من التعبير الصحيح عن ما يدور في نفوسنا.


تطلعات

      المستقبل هو الحلم الكبير أما الواقع أو الحاضر فهو حياتنا وجل همي أن لا يصل الفساد إلى الحلم الكبير. فالإنسان هو وعاء لألام وأحلام، نعيش ألام الحاضر على أمل أن تتحقق أحلامنا في المستقبل. فأجدادنا ضحوا بالغالي والرخيص لكي يقتلعون الحرية والاستقلال من بين أنياب الاستعمار الأوربي، فكيف نرضى أن نسلم ديارنا وأبنائنا للمستعمر ونزيده فوقها ثروات وأموال. و هذا هو مدار الخلاف بين الحكام الحريصين على كراسيهم و الشعوب المتطلعة للحرية و الكرامة.
ومهما حصل فإن المستقبل سيكون للعلم وللعاملين وللأمانة و الإخلاص، فلنحرص على أن نكون بناة للمستقبل، وأصل النهضة فكرة تجد رجالاً يلتفون حولها و يحيون من أجلها وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

توجهي في الحياة

    التوجه الإسلامي هو طريقي في الحياة ولكن الحل للأمة بصفة عامة و لبلدنا بالذات هو التوجه الإنساني والذي لا يتعارض مع الفكر الإسلامي ولكنه يرتقي به فوق كل البشر ليخدم البشرية جمعاء. أرى الحل في احترام الإنسان واحترام حقوق الإنسان وفي أن يسود العدل بين الناس في كل شئ وأن تحصل المساواة  على ارض الوطن وتوجه الطاقات للبناء وليس للهدم .
إن أعداء الأمة الحقيقيون هم الجهل والفقر والمرض وليس الاستعمار ولا الرجعية كما صوروا لنا في كتب القراءة القومية و إذاعة صوت العرب. علينا أن نمارس القيم الإنسانية التي ننادي بها في حياتنا في بيوتنا في لقاءاتنا قبل أن نطالب الآخرين بتطبيقها. علينا أن نحترم الأمة ككل و كل فرد فيها فلا نتعالى على أحد ولنكن مشاعل تنير الطريق، و أن لا نكون معوقات على طريق التقدم بالدخول في معارك إقصاء جانبية لا تخدم إلا أعداء الوطن.

السياسة

       أنا ليس لي أي علاقة مباشرة بالتنظيمات الليبية في الداخل أو الخارج وبالتالي من الصعب عليّ متابعتها أو تقييمها بطريقة علمية وموضوعية وكل ما أحاوله هو طرح بعض الأفكار العامة التي تخدم مستقبل الفكر السياسي الليبي. وأنا دائماً أدعو كل المهتمين بالشؤون الليبية والعربية والإسلامية إلى تطبيق القيم والمبادئ التي يدعون إليها، ويطالبون بها الأنظمة الحاكمة، على أنفسهم.
  وعلى سبيل المثال لا يمكن للمقيمين في الغرب أن يمارسوا حقوقهم الديمقراطية وحقوقهم في التعبير داخل المؤسسات العربية والإسلامية في معظم الأحيان بسبب هيمنة بعض التيارات عليها. يجب أن يكون تواجد الجاليات في الخارج فرصةً للإطلاع على ممارسات الشعوب المتقدمة السياسية، لصقل الخبرات والقدرات الوطنية بما يخدم مستقبل أمتنا. و يجب أن نتحاور في هدوء ونترك التعصب والتشنج ونقف إلى جانب الأفكار والآراء السليمة لأن فيها المصلحة للوطن وللأمة ككل.
 و الدور الطليعي للنخب في العادة يكون في مراحل البناء والتنمية أما في مراحل التحرر و الثورة فالدور الأساسي لعامة الناس فلم يقد الثورة الشيوعية في العالم أساتذة الجامعات  ولم يقد الانتفاضة الفلسطينية شيوخ المساجد ولم يقد المقاومة في لبنان الكتّاب والمثقفين والشعراء وكذلك بقية الثورات في العالم.
 وبالنسبة لقضية الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية في الوطن العربي ككل، ماذا قدمت النخبة الموجودة في الخارج ؟ لقد تغير العالم من حولنا في آسيا وأفريقيا وأوربا الشرقية ولم يبقى إلا نحن، كلنا ينتظر حلاً من المريخ أو تضحية من غيره. الأسئلة التي يجب أن نجيب عليها بصراحة هي:

 هل قدم كل منا كل ما يستطيع للقضية التي يؤمن بها؟

وهل كانت وسائلنا صحيحة في ما نقدمه من أطروحات؟

 وهل نحن قادرون على دفع الثمن المطلوب؟

و لقد أثبتت الأسابيع الأخيرة أن التغيير السليم يؤسس على إرادة الشعوب بالداخل بالدرجة الأولى و لا يمكن استيراده من الخارج. و ربما يكون الدور الأفضل لمن عاش بالخارج أن يثري التجربة و معركة البناء بآراء و خبرات و تجارب الشعوب الأخرى التي عاشوا بينها.

الإصلاح

      أنا أعتقد أن الإصلاح السياسي و الاجتماعي وارد في ذهن كل من يعمل بالسياسة في أي مكان، فمن المستحيل أن نصل إلى الحل النهائي والمثالي لكل المشاكل؛ فكلنا ينوي الإصلاح ما استطاع. وفي موضوع الصراع السياسي داخل الوطن الواحد لا مفر من طرح المصالحة أو الإصلاح كبديل للإقصاء والتهميش و موازين القوى المحلية والإقليمية والعالمية هي التي سوف تحدد إطار الإصلاح وتطوره وسبل تحقيقه. ولكن بعض الأنظمة العربية تستعمل ورقة الإصلاح والتصالح إذا ضاقت بها السبل كمخرج من الضغوط الخارجية ثم تعود إلى عادتها القديمة إذا ظنت أن الأمور عادت إلى مجاريها.
      الإصلاح هدف وطني مهما كان الثمن، والمصالحة الوطنية الشاملة بما يعيد الدستورية للدولة وسيادة القانون للمجتمع وتوفير الأمان والاطمئنان للمواطن على نفسه وماله وعرضه وجميع حقوقه تحقق الاستقلال الحقيقي. وتعيد السيادة إلى الشعب ولقد تطرقت إلى عوامل نجاح مثل هذا المشروع ودور كل فئات المجتمع فيه في عدة مقالات منشورة و موجودة في مدونة باقات ليبية.

الذخيرة

      شبابنا هم لب قوتنا وفخرنا ورجال مستقبلنا، وهم الأمل إذا ضاقت بنا السبل. و أنصح الشباب بالإنكباب على طلب العلم، فإن المستقبل للعلم والمتعلمين وعليهم الاهتمام بجميع الجوانب الثقافية من الإطلاع على الكتب ومتابعة الجرائد والمجلات وزيارة المعارض الفنية والإطلاع على ثقافات الشعوب الأخرى لإثراء تصوراتهم للحياة بصفة عامة. والأهم من هذا كله هو التفاعل الايجابي مع الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي الليبي والعربي والإسلامي والإنساني. وهذا اصل اهتمامي برسالة الجيل الجديد، فقطاع الشباب هو ذخيرتنا في صناعة المستقبل.



Monday, April 25, 2011

The day of catastrophe 15th May Let’s make it a black day in the human history



The Arab and Islamic nations had not seen in their long history a darker day than their day of catastrophe or day of calamity in Palestine. On that day the people of Palestine were assassinated in groups. The land of Palestine was torn off and extracted from the Arab and Islamic land in a moment of unawareness and betrayal, or a moment of conspiracy by some of the Arab rulers. The resolution that led to the creation of the state of the Zionist and raciest entity considered the people of Palestine as an extinct and non-existent. The politicians in the western countries had agreed at the time to proclaim this country on the land of Palestine in the biggest fraud in the human history. The appropriate departments of the UN issued the ownership deeds of the holy land to groups of gangsters that flocked from all over the world to make it their home land. Authors, poets and intellectuals have been quite innovative at describing that day for over sixty days.

Commemorating the day of catastrophe this year

If it is reasonable to mourn a loss then Palestine is more deserving to be mourned than the loss of our people, our children and all those who are dear to us. Palestine was the destination of the miraculous journey of Prophet Muhammad (peace and prayers be upon him). Palestine was the birth place of Christ and where many prophets had lived, and it is the land of the heavenly faiths, and Palestine contains the holiest and purest spot of land on earth. If it was our duty to support any oppressed group of people then Palestine and the people of Palestine ought to be the most deserving of our support than any other. Let us declare this to the entire world on the anniversary of the catastrophe of Palestine and our calamity in Palestine and in its stateless and oppressed people. The whole world must see the sadness in our eyes, and the resolve within us to deny the oppression befalling upon our people in Palestine. Let this be a warning to all humanity that we will not accept procrastinate beyond this year. We will not accept for the people of Palestine to remain without land after this year, and we will not remain silent towards this oppression no more. Let our motto be:
“15th of May is a Black Day”
I hereby call upon all peace loving Arab and Islamic nations who support the legitimate rights for the people of Palestine to show their solidarity with the people of Palestine and their just cause. They can show this by wearing a black outfit or a black garment on the day of catastrophe 15th May 2011. And I call upon them to raise black flags over buildings and in squares and public places, and placing some black symbols on their car windows and buildings as long as it does not interfere with the safety.

I call upon the youth especially the youth of the revolutions in Tunisia, Egypt, Libya, Yemen, Syria, and Algeria and all other movements and organisations which denounce racism and support human rights to assemble to show their support for this cause. Let them hold carnivals and demonstrations in order to bring attention to this case and call for oppression to lifted off the people of Palestine.
I also call upon all the Arab and Islamic communities round the world to organise demonstrations and put on protesting stands and sit-ins outside the UN offices and presenting them with letters demanding the lifting of oppression off the people of Palestine.
We must not forget to remind the people of Palestine and their youth of their defining and historical duty towards Palestine. It is not right for the youth of the world to come out in support of Palestine while the Palestinian people are asleep. I call upon them to make the Intifada of independence and the Intifada of freedom. If the youth in Egypt and in Tunisia and Libya face death as a price of their freedom then it is only appropriate that the youth of Palestine ought to rise seeking death in order for honourable life to be gained. Only then the world will know that our patience has started to run out, and that we will not remain silent regarding oppression after today. No blame is to befall upon those who give prior notifications or warnings.
In order for us to be successful in such campaign for the sake of Palestine and the Palestinians, I call upon all activists on the social electronic groups to concentrate and coordinate their actions. This is required in order to translate this call into and real change on the ground which can bring forward the case of Palestine. We are going to need all efforts and energies that we can have in order for this year’s commemoration to be different. The intention here is purely for Allah, and no right is lost as long as someone is demanding it.


Saturday, April 23, 2011

جذور الإرهاب في ليبيا

       الإرهاب في حقيقته هو عبارة عن رصيد من الذكريات المرعبة الناتجة عن استخدام العنف في فرض أراء أو قيم أو أنماط تصرف تتحول مع مرور الزمن و تكرارها إلى حالة نفسية تؤرق على الإنسان حياته. و المثل الليبي يقول" الملدوغ يخاف من الحبل" فصورة الثعبان في ذاكرته تجعله يرتعش من رؤية حبل قد تكون فيه نجاته من الغرق. و أنا أرى أن تفشي العنف في حياة الأسرة في مجتمعنا و خاصة في تربية الأطفال حيث اعتمدت الفلقة كوسيلة تعليمية في كتاتيبنا، و في معاملة المرأة بقسوة يؤسس لحالة الإحباط التي تهيأ المرء لتقبل الحياة في ظل الإرهاب في ذل و انكسار. و قد مر الشعب الليبي بمحطات تاريخية زرعت جذورا للإرهاب في مجتمعنا عبر العصور و نرجو من الله أن نكون على أبواب الشفاء منها بفعل ثورة فبراير التي ستفجر طاقات التغيير في نفوسنا.
الجهل و تجبر الولاة
 مرت بلادنا الحبيبة بفترة تعيسة استمرت لعدة قرون من الحكم التركي كان هم الحكام فيها جمع الضرائب و إذلال الشعب و لكي يتسنى لهم هذا أهملوا التعليم بجميع أشكاله و أفرطوا في عقاب من يناقش دورهم أو يحتج عليه فوصل الأمر إلى نفي قبائل ليبية بالكامل عن أرض الوطن. و ساعدهم في هذا ظروف الجهل و الفقر و تفشي الأمراض التي أذلت الإنسان الليبي، و أصبح المثل يقول" حط راسك بين الرؤوس و قول يا قطاع الرؤوس". و تكونت فئات في المجتمع كان همها النجاة و المصالح الشخصية و لو على جثث الآخرين، و هم رجال الوالي و رجال شرطته و حراسه.
عملاء المستعمر الايطالي
بعد نزول القوات الايطالية إلى ليبيا بفترة وجيزة لا تزيد عن ستة أشهر تطوع عدد من الليبيين في خدمة الجيش الايطالي و قاتلوا إلى جانبه ضد المجاهدين الليبيين بضراوة، بعضهم فعل هذا بحجة الحاجة و بعضهم كان يتطلع إلى دور أفضل و حياة أفضل رفقة الحكام الايطاليين. و تفنن هؤلاء في الانتقام من أهالي المجاهدين و قراهم بل و شارك بعضهم في تعذيب سجناء العقيلة و البريقة، و قام بعضهم بمهام شنق المجاهدين الذين حكمت عليهم السلطات الايطالية بالإعدام شنقا. و بهذا تكونت مجموعات من الليبيين الذين أصبحوا يمارسون الإرهاب على الشعب الليبي. و دخل بعضهم في حراسة السجون و في البوليس السري و بالتالي أصبحوا يعملون على حماية أنفسهم من خلال حماية المستعمر الايطالي.
البوليس السري
بعد الحرب العالمية و في أيام الإدارة البريطانية قام الانجليز بتدريب أفراد شرطة من الليبيين، و هنا كذلك التحق بهم الذين تعودوا على خدمة المستعمر و استمروا في نفس الأساليب من ضرب و تهديد، ثم انضموا كنواة للبوليس في عهد المملكة و شاركوا في عملية تزوير الانتخابات و قمع المتظاهرين. و استمرت أجهزة البوليس السري بنفس القيادات التي تكونت مع الانجليز و بخبرات من العهد الايطالي. و بعد انقلاب 1969م بدأ بعض ضباط الجيش في فضح أفراد البوليس السري و لكن في خلال يومين أتت تعليمات بالكف عن هذا، و استمر جهاز البوليس السري يعمل بنفس قياداته القديمة حتى ثورة فبراير. و هذا الجهاز هو الجهاز الحكومي الوحيد في ليبيا الذي استمرت قيادته و أفراده خلال كل المراحل السابقة، و نحتاج لدراسة خاصة بهذا الأمر في المرحلة القادمة.
تواصل الأجيال
يتضح مما سبق تكون أجيال من الإرهابيين يتبادلون الخبرة و النصيحة، و هنا يحضرني موقف حدث في مصراتة في العام الثاني بعد الانقلاب. فبينما العقيد ألقذافي كان يسير في مصراتة على قدميه مر على مجموعة من المسنين يلعبون لعبة الخربقة على الأرض، سلم عليهم و دار حديث بينه و بين احدهم و يدعى مفتاح من المنطقة الوسطى كان يعمل جلادا في معتقل البريقة  ويجلد المجاهدين بالأسلاك الشائكة أي الحبيلة أو الشبردق حتى يسيل الدم من ظهورهم. فقال مفتاح للقذافي: اسمع يا معمر إذا كنت تريد الليبيين عند ما يسمعوا اسمك يذكر يتجمد الدم في عروقهم عليك بإعدام بعض الأبرياء، لأنك لو أعدمت من فعل شيئا فسوف يقدسونه كعمر المختار.
 ضحك معمر و تركهم بعد هذا الحديث علما بأن مفتاح  هذا قبح الله سعيه كان يعمل غفيرا في القسم الداخلي للمدرسة الثانوية بمصراتة و هذا هو سبب معرفته الوطيدة بمعمر.
 الثورة الثقافية 1973م
في خطاب زوارة الشهير دعا ألقذافي إلى التخلص من جميع الحزبيين و وضعهم في السجون كخطوة استباقية لأي دور قد يقومون به في معارضة نظامه. و خرجت المسيرات الغوغائية ترفع شعارات
" دوس على الرجعي و الخاين و اللي ما عنده مبادىء"،
 و تم إلقاء القبض على حوالي 300 مواطن من أهل الفكر و الناشطين سياسيا و أودعوا في سجن باب بن غشير أو الحصان الأبيض، الذي تحول اسودا من ظلم إدارة السجون. وشمل هذا الإجراء كل قيادات الأحزاب أو التوجهات السياسية في ليبيا من محامين و سياسيين و كتاب و أساتذة جامعات و طلاب. وكان هذا الإجراء كافيا لإدخال الهلع إلى قلوب الناس فعند ما يسجن البريء تخاف كل أم على وليدها، و بالرغم من كل هذه الإجراءات بقي بعض الحراك السياسي في الجامعات حتى 1976م.
7 أبريل 1976م
     في هذا اليوم تم للقذافي ما يريد من السيطرة الأمنية و الإرهابية على الجامعات بترتيب زحف بقيادة عبد السلام جلود على جامعة طرابلس  مستخدما طلاب المعاهد و الثانويات بعد إيهامهم بأن الجامعة مليئة بالعملاء و أعداء الثورة، و بطبيعة الحال كان معهم عدد من أزلام النظام من أمثال سعيد راشد خيشة و موسى كوسا الذي جاء خصيصا من أمريكا للمشاركة في هذا الزحف و غيرهم كثيرون. و هؤلاء يعتبرون أنفسهم أبطال 7 أبريل في الجامعات و بعضهم الآن لا زال يساهم في تدمير الجامعات كأستاذ جامعي من خلال حركة اللجان الثورية، و يجب مسائلة هؤلاء قانونيا عن الأضرار الناجمة عن مواقفهم في الجامعات من تزوير و تدمير للقدرات الجامعية و محاربة للعناصر الوطنية.
و أصبح يوم 7 ابريل من كل عام يوم لطرد الأساتذة الوطنيين أو إعدام الطلاب الوطنيين، و تحول هذا اليوم إلى يوم اسود و نذير شؤم في تاريخ الجامعات الليبية.
و بقية الحكاية معروفة لأبناء جيل ثورة فبراير و المطلوب منا الآن هو عدم تكرار ما حدث بحل الأجهزة الأمنية و بناء منظومات أمنية وطنية آمنة تحمي المواطن و لا تهدده أو ترهبه في الداخل و الخارج. كما أننا بحاجة إلى حملات توعية بين الجماهير من أجل تعامل أرقى داخل مجتمعنا و في مدارسنا و في بيوتنا، مع توفير ضمانات اجتماعية تكفل العيش الكريم للمواطن فالثورة هي البداية فقط أو الخطوة الأولى في مشوار الألف ميل الليبي نحو الديمقراطية و الحرية و العدالة و المساواة.

Friday, April 22, 2011

أحداث الأسبوع الأول من ثورة فبراير 2011م


و تحطمت الدبابات على أعتاب بنغازي
           تسارعت الأحداث في مدينة بنغازي منذ اللحظات الأولى بشكل قلب الأوضاع في ليبيا كلها، و كانت المفاجأة كبيرة بحجم التطلعات الوطنية. فلقد تكررت الدعوات عبر وسائل الإعلام المختلفة للتحرك يوم السابع عشر من فبراير من الداخل و الخارج للمطالبة بتحولات ديمقراطية و بشكل سلمي يقود في النهاية إلى حل دستوري تختفي معه كل أشكال الاستبداد، و لكن عنجهية النظام و فكره ألإقصائي و آلته الحربية الجهنمية رفعت سقف المطالب إلى المطالبة بسقوط النظام برمته.

مقدمات الحدث في بنغازي

 في الأسابيع السابقة  لشهر فبراير تعودت مدينة بنغازي على رؤية وقفات اعتصام تطالب بحقوق ضحايا ابو سليم البالغ عددهم 1270 مواطنا، و الذين قتلهم نظام ألقذافي بدم بارد خلال ساعات و أخفى الجثث عن العالم  ثم كتم الخبر عن أهاليهم لأكثر من عشرة سنوات. و كان يتولى الدفاع عنهم أمام المحاكم محام شاب من بنغازي هو السيد فتحي تربل علما بأنه فقد أخوين له مع هذه المجموعة.
 كذلك ألقت الثورة التونسية و الثورة المصرية بظلالهما على الأحداث فكان الترقب لما سيحدث في ليبيا عظيما. و تم اختيار تاريخ السابع عشر من فبراير لانطلاق الانتفاضة ليتزامن مع وقفة يخطط لها أقارب ضحايا أحداث 17 فبراير لسنة 2006م في أحداث السفارة الإيطالية في بنغازي.
 كما أن بنغازي عودتنا من خلال تاريخها بأن تكون مكان الشرارة الاولى  في معظم التحركات الشعبية في ليبيا فأهلها يهبون هبة رجل واحد عند الأزمات، و قلبها يأن من جرائم ألقذافي و كلنا يذكر فاجعة الأطفال الذين حقنهم النظام بفيروس الايدز و صورهم البريئة لم تغب بعد عن ذاكرة الأهل و الجيران في بنغازي. و مآتم ضحايا الطائرة الليبية التي تم إسقاطها قرب طرابلس لا زالت تخيم على سماء المدينة، كما أن صور المشانق في شوارع بنغازي و المدينة الرياضية على شاشات التلفزيون الليبي لا زالت عالقة في الأذهان ناهيك عن مظاهر البؤس و الحرمان لأبناء بلد غني بالنفط، كل هذه العوامل زادت من حنين بنغازي و أهلها للحرية. و تحدد مكان ضريح شيخ الشهداء لبداية الحدث في رمزية للاستعداد للتضحية من اجل الوطن التي جسدها عمر المختار في حياته و يوم مماته.

إجراءات استباقية للنظام

أما على الجانب المقابل فقد اتخذ النظام خطوات عدة لإحباط العملية و دحرها في مهدها عبر نقل معظم الأسلحة
 الثقيلة من المنطقة الشرقية و نقل الطائرات المقاتلة الصالحة للعمليات و عددها ثمانية طائرات من قاعدة بنينة إلى قاعدة القرضابية في سرت و تجهيز قوات الأمن و دعمها بالمرتزقة.
 و هنا لا يخفى على أي خبير أن نية ألقذافي الحقيقية كانت السماح بانتفاضة تسيطر على المنطقة الشرقية بسرعة في غياب القدرة على حماية هذه المكاسب بسبب نقل المعدات العسكرية خارجها و عندئذ ينقض عليها ليسحقها تحت راية محاربة الإرهاب دوليا و محاربة الانفصاليين عربيا، و لكن الله سلم.
       و صحب هذه الإجراءات التخطيط لمظاهرات لتأييد النظام و مبايعة قيادته من خلال تجميع قوى الثورة من جميع المناطق الشرقية و من القبائل و إعداد خيم لاستقبالهم في شكل احتفالي ليغطى و يردع مظاهر الاعتصام المتوقعة. كما حضر إلى بنغازي بعض قيادات الأجهزة الأمنية مثل عبد الله السنوسي و أمين الأمن العام و تم تجميع كل أعضاء اللجان الثورية بمعسكر 7 أبريل في مدينة بنغازي.
كما تم استدعاء أهالي ضحايا 17 فبراير 2006 إلى طرابلس في مظهر احتفالي و تم تكريمهم و منحهم أوسمة و ذلك بغرض إضعاف المظاهرات و تقليل الضغط في بنغازي.
أحداث يوم15 فبراير
 في هذا اليوم قرر النظام استباق الأحداث بإلقاء القبض على المحامي فتحي تربل فتحركت سبعة سيارات تابعة للأمن العام إلى بيته و قاموا بالاعتداء عليه و التهجم على  والدته و تحطيم بعض المقتنيات في بيته، و بالفعل تمكنوا من ذلك و أخذوه إلى مديرية الأمن في بنغازي، و كان النظام يتوقع  أن يجهض الاعتصام مثل ما حدث في طرابلس من قبل عند ما القي القبض على من دعا للاعتصام في العام السابق. سرى الخبر في المدينة كما تسري النار في الهشيم فتنادى أهالي ضحايا أبو سليم و تجمعوا في المساء عند مديرية الأمن العام في بنغازي و جاء معهم بعض الحقوقيون و المحامون و بعض المهتمين بالشأن العام و حدث ما يشبه الاعتصام أو التظاهر و تحدث عندئذ الدكتور إدريس المسماري مع الجزيرة على الهواء فقامت الأجهزة الأمنية بإطلاق سراح المحامي فتحي تربل.
 و في تلك الأثناء حصل بعض الاعتداء بالضرب من قبل قوات الدعم على المواطنين، و عند الرجوع عاد الناس في شكل مسيرة و حدث اشتباك آخر مع الأمن في شارع عشرين أو ميدان الشجرة حسب روايات مختلفة. حيث اعتدى الدعم المركزي على المتظاهرين و تقول بعض الروايات بوفاة شخصين على الأقل و هذا الخبر لم يتسنى التأكد منه، كما أصيب 38 شخصا بجروح طفيفة.
كان هذا أهم ما حدث في هذا اليوم و الذي أعطى بشائر النصر إذ تم الإصرار على الموقف و التف الناس حول القضية، و بهذا ارتفعت الهمم.
أحداث يوم 16 فبراير
      في هذا اليوم خرجت عدة مسيرات في مجموعات متفرقة في شارع عمرو بن العاص و عند جسر جليانة و تصدى لها الدعم المركزي و الكتائب الأمنية و سقط ثمانية شهداء تقريبا و لم تتوفر تغطية إعلامية. و في الليل طلب عبد الله السنوسي  من فتحي تربل الحضور إلى مديرية الأمن، و عند ما اجتمع به طلب منه إلغاء مسيرة يوم 17 فبراير، فقال له فتحي تربل: لا أملك هذا القرار و يمكن أن أتحدث مع أهالي ضحايا أبو سليم في أي أمر يخصهم هم فقط فأنا محاميهم، و لكنني أقترح عليكم الآتي" الناس سوف يخرجون تحت كل الظروف و عليه أرجو إلغاء مسيرات التأييد و سحب الأمن من الشوارع و ترك فرصة للناس كي يعبرون بشكل سلمي عن مطالبهم و خاصة إذا تذكرنا الوفيات في اليوم السابق بشرط الصبر على تصرفات الناس". عندها دخل عبد الله السنوسي إلى مكتب آخر ليتشاور مع طرابلس لمدة ربع ساعة ثم عاد و معه اللواء عبد الفتاح يونس أمين الأمن العام و قائد القات الخاصة و عمر إشكال أحد القيادات اللجان الثورية من القذاذفة و الطيب الصافي أحد أبرز قوى اللجان الثورية في منطقة طبرق و قال عبد الله السنوسي: نحن لن نرضخ و نحن قادرين على مواجهة الناس.  انتهى الاجتماع و عاد فتحي تربل إلى بيته بعد الساعة الواحدة صباحا من يوم 17 فبراير.
و ربما كان أبرز حدث في هذا اليوم هو انضمام الزنتان للثورة، و بالتالي قضت على تهمة الانفصالية التي كان ألقذافي يسعى لإلصاقها بأحداث بنغازي و أصبحت الزنتان هي الزلزال الذي زلزل أركان قاعدة الإرهاب في باب العزيزية.
أحداث يوم 17 فبراير
           في هذا اليوم خرج شاب من أبناء بنغازي بمفرده في شارع عمر المختار يحمل لافتة كتب عليها مطالبة بالدستور و الحريات و سار وحيدا و بعض الناس تنظر إليه و في نهاية الشارع نزل شاب من سيارته و صافحه و قبل رأسه فانهمرت عيناه بالدموع و هو يقول: لقد أصابني إحباط و لكنني كنت اعلم أن الحق إلى جانبي. فهدأ 
الأخ من روعه و هنأه على شجاعته و صموده و انتهى الأمر على هذا.


رمز اغتصاب سيادة الشعب يوم 2 مارس 2011
         بعد الظهر تجمع القانونيون و أهالي ضحايا أبو سليم أمام المحكمة، كما ظهرت تجمعات متفرقة لمجموعات من الشباب في شارع عمر المختار و بو عشرين و عمرو بن العاص ثم بدا العدد يزداد أمام المحكمة. و تحرك بعض الشباب إلى المثابة و مركز دراسات الكتاب الأخضر فخرج عليهم أصحاب القبعات الصفراء واعتدوا عليهم بالضرب، و تطور الأمر في شارع جمال عبد الناصر و جسر جوليانا و تكرر الصدام و كانت حصيلة هذا اليوم حوالي 13 شهيدا و حوالي 200جريح.
 و قام المتظاهرون بحرق مركز شرطة رأس اعبيدة و خيم القبائل و تحول الشعار من المطالبة بالدستور و 
الحريات إلى المطالبة بإسقاط النظام.

مركز دراسات الكتيب الأخضر يوم 2 مارس 2011 م

 و في هذا اليوم تداعت جماهير المناطق المختلفة في مظاهرات تندد بالعنف الذي حدث في بنغازي و تطالب بإسقاط النظام ففي البيضاء سقط حوالي 30 شهيدا و 200جريح اصابة بعضهم خطيرة، و في مدينة درنة سقط ستة شهداء  و 20جريحا، أما في اجدابيا فسقط 10شهداء، و بدات المناوشات في عدد من المدن الغربية و لكنها كانت محدودة.
أحداث يوم 18 فبراير
يوافق هذا اليوم يوم الجمعة و تم الاتفاق من اليوم السابق على الصلاة أمام المحكمة، و يوجد بجانبها مقر الأمن الداخلي و خلفها مركز شرطة المدينة حيث تجمعت فيهما قوات الشرطة و الدعم المركزي بأعداد كبيرة تحسبا للطوارئ. وعند الصلاة تجمعت أعداد كبيرة جدا و من لم يصلي معهم لحق بهم بعد الصلاة في مكان آخر، و بعد الصلاة و تلاقي جميع الناس و قاموا بحرق مراكز الأمن الداخلي، مراكز الشرطة، و مراكز الأمن الشعبي المحلي و مكاتب اللجان الثورية. و قام الناس بدفن شهداء اليوم السابق و كانوا يصلون عليهم أمام المحكمة ثم يتوجهون إلى  المقبرة من أمام مقر كتيبة الفضيل بو عمر فيشتبكون مع الجنود و يسقط شهداء، فالجنود كانوا يستخدمون مضاد للطائرات مداه 2 كيلومتر و يرمون بشكل عشوائي و بعد الدفن يعود الناس من مبنى أمام  مديرية الآمن فيتكرر نفس الشيء و يسقط شهداء. هذه العملية كانت مثل صب الزيت على النار من حيث ارتفاع عدد الشهداء و تحول الناس إلى مهاجمة القوات الأمنية و المرتزقة بما يتمكنون منه من عصي و هراوات.
 و بدا الشباب في مهاجمة و محاصرة مقر كتيبة الفضيل بو عمر و تقع في منطقة البركة ببنغازي و حاصروها سعيا لدخولها و القضاء على آخر رمز للنظام في بنغازي. و تكررت حوادث الاشتباكات خلال يومي 19 و 20 فبراير.
وكان أحد أبرز الأحداث في يوم 19 فبراير انضمام مدينة الزاوية للثورة و بشكل قوي و خرج الناس في الشوارع يهتفون
" بالروح بالدم نفديك يا بنغازي"
و "يا بنغازي انتي موش بروحك نحنا ضمادين جروحك"
 و انتشرت روح الثورة في أرجاء ليبيا و صمدت الزاوية في أعنف مواجهة مع كتائب ألقذافي،  كما أخذ نطاق المناوشات يتسع في مدينة طرابلس خاصة بالليل.
أحداث يوم 20 فبراير

مدخل الكتيبة، و هذه بيوتهم خاوية بما ظلموا
 في هذا اليوم تم تعميم رسالة على المواطنين عبر أجهزة الهاتف النقال رسالة مفادها أن قوات الصاعقة سوف تتولى الحراسة بالمدينة و مرفق نص الرسالة و تبدو هذه الرسالة بشارة بانضمام عدد من الضباط و الجنود لثورة فبراير، فهي كانت توحي بعدم رغبة الصعقة في الصدام مع المتظاهرين. و بالفعل انضم عدد من الضباط و الجنود في الأيام التالية، و كان أبرزهم  اللواء عبد الفتاح يونس يوم 22 فبراير الذي تقدم الصفوف مع جنود و ضباط كتيبة الصاعقة ليقود المجهود العسكري المنظم لقوات الثورة في المناطق الوسطى.

 صورة الفتى محمد بن غربية الذي التقط الصور المرفقة في هذا المقال أمام مخبأ ألقذافي

Thursday, April 21, 2011

الأحزاب السياسية في ليبيا قبيل الاستقلال

          بعد خمود جذوة النضال العسكري في ليبيا من أجل الاستقلال بوفاة شيخ الشهداء عمر المختار بدأت أنظار الليبيين تتوجه نحو العمل السياسي خاصة مع تداعيات المراحل الأخيرة في الحرب العالمية الثانية و بروز دور الأمم المتحدة كمنصة دولية للمطالبة بحقوق الشعوب المقهورة.
 و لكي نستفيد من تجارب أجدادنا في النضال السياسي و نتجنب المطبات التي أودت بالحياة السياسية السليمة في ليبيا بعد الاستقلال نطرح في عجالة جوانب من تاريخ النضال السياسي الليبي قبيل الاستقلال.

نشأة العمل السياسي

بسبب اتساع رقعة الأراضي الليبية و قلة السكان و انخفاض مستوى التعليم و سوء وسائل الاتصالات بدأ العمل
 السياسي في ليبيا مشتتا و مبعثرا بين الأقاليم و داخل نفس الإقليم، فتكونت أحزاب كان هدفها الأول على ما يبدو هو الوصول إلى سدة الحكم أو تحقيق بعض المصالح الشخصية أو الجهوية أو القبلية و بالتالي تشرذمت و اندثرت في وقت قصير و سهل على الدولة حصارها و التخلص منها.
 أما الحركات السياسية ذات المحتوى الأيديولوجي فعاشت مدد تتناسب مع عمقها الفكري و الشعبي و لكنها بقيت أسيرة لدوائر مغلقة بسبب تدني مستوى الوعي الجماهيري بأهميتها بسبب الجهل و الأمية المتفشية في الشعب الليبي.
 فلا معنى للديمقراطية في شعب لا يقرأ الصحف و لا يتفاعل مع الأحداث و يفضل السلبية،
 و لا معنى للديمقراطية في حكومة لا تحترم الرأي العام و لا تحترم حقوق المواطنين،
 و لا قيمة لانتخابات يبيع فيها المواطن صوته مقابل دراهم معدودات يشتري خبزا يقتل به جوعه أو ماء يسقي به ظمأه.
 و لا معنى لقضاء مستقل إذا كان الناس يفضلون أعراف القبائل في المصالحات الشعبية و يتركون القضاء العادل.
 و لا معنى لأحزاب سياسية تختفي من الساحة مثل ما تظهر فيها، كريشة في مهب الريح لا وزن لها في قلوب أعضائها.
 و لا قيمة لحركات سياسية تدعو إلى الديمقراطية و سلمية تداول السلطة و لكنها لا تطبق هذا في أطرها التنظيمية بل تتحول إلى تشكيلات قبلية أو عائلية يتم توارثها بين الأهل و الأصهار.

الحركات السياسية في إقليم برقة

برقة اسم يطلق على الإقليم الشرقي من ليبيا و اشتهر هذا الاسم بعد الفتح الإسلامي و يصف الساحل الممتد من المرج إلى بنغازي و كانت في قديم الزمان تعرف بسيرينايكا نسبة إلى دولة الإغريق في سيرين و التي تعرف الآن بشحات أو قورينا، و تمتد من أمساعد  على الحدود المصرية شرقا إلى قرية  بن جواد غربا على الساحل الليبي. و أهم ما يميز أهاليها هو التجانس الاجتماعي و حب الاجتماع على القيادات الشعبية أو السياسية أو الدينية، و الكرم العربي الأصيل و الإيثار على النفس و التمسك بالعادات و التقاليد العربية. و لهذه الأسباب برز فيها عدد قليل من الحركات السياسية.
1-جمعية عمر المختار
تأسست جمعية عمر المختار في مصر في 31 يناير 1942 على يد عدد من النشطاء السياسيين الليبيين في المهجر، ثم تجدد إعلان تأسيسها في بنغازي في 4 أبريل 1943م و أفتتح لها فرع في مدينة درنة تميز بنشاط و حركية منقطعة النظير  بقيادة الشاعر إبراهيم الأسطى عمر و كوكبة من الشباب المثقف. و تمكنت جمعية عمر المختار من السيطرة على الحراك السياسي و الثقافي في مدينتي بنغازي و درنة و برز من بين أعضائها خيرة رجال الدولة الليبية و استمر نشاطها إلى أن صدر مرسوم بحل الأحزاب و الحركات السياسية بناء على توصية من السفير البريطاني حسب ما أفادني به احد قادة الجمعية. و كانت نقطة ضعف الجمعية هي عدم استيعاب أبناء البادية بين صفوفها و بالتالي أصبحوا موالين للملك بصفة دائمة و على خلاف معها.
2-الجبهة الوطنية البرقاوية
تأسست هذه الجبهة في اجتماع لزعماء قبائل السعادي في 1946م و كان هدفها المعلن هو الدعوة إلى استقال برقة و الغير معلن هو محاولة سحب البساط من تحت أقدام جيل الشباب المثقف في جمعية عمر المختار الذي كان مصرا على استقلال و وحدة ليبيا بالكامل. و تم حلها عند ما دعا الأمير إدريس إلى إلغاء جميع الأحزاب في سنة 1947م.
3-رابطة الشباب الليبي
أسست هذه الرابطة بتوجيه من رجال الأمير المعتدلين لكي تستقطب الشباب من جمعية عمر المختار و كان أبرز قادتها السيد صالح بويصير و لكنها فشلت في مهمتها و انتهى دورها مع قرار الأمير بحل الأحزاب،  وتمثل فيها الصراع بين جيل الوحدة الليبية و قدامى الموالين للقصر و أصحاب النظرة البرقاوية الضيقة.
4-المؤتمر الوطنى البرقاوي
تأسس هذا المؤتمر سنة 1948 كي يوحد كل الحركات في مظلة واحدة تحت لواء الأمير، و ربما كان هدفه الحقيقي احتواء شباب جمعية عمر المختار الذين أصروا على البقاء خارجه و الاستمرار في العمل السياسي تحت راية الجمعية من أجل استقلال ليبيا الموحدة.
من كل ما تقدم يتضح بأن اللاعب الأساس في برقة كان جمعية عمر المختار و كل ما برز إلى جانبها كان محاولات من الدولة لإجهاضها و القضاء عليها، و اعتقد أن إهمال الانتشار بين البدو مكن القصر من تحجيمها ثم تدجينها من خلال المناصب الحكومية ثم حلها مع بقية الأحزاب.

 الحركات السياسية في إقليم طرابلس الغرب

يتميز هذا الإقليم بتنافر مكوناته و تنافسها و تناحرها على مستوى العائلات و المناطق و العرقيات المختلفة بفعل سطوة السلاطين و الأمراء الذين حكموا طرابلس عبر السنين بالإضافة إلى وجود عدد من القيادات الدينية و الاجتماعية المتقاربة في القدرات و سيطرة الفكر الصوفي القديم على معظم مراكز التعليم الديني، و بروز عائلات متنفذة بسبب علاقاتها التاريخية بالخارج و تعاونها مع الأقليات الأجنبية في طرابلس. لكل هذه الأسباب لم تبرز في طرابلس زعامة سياسية تلتف حولها رجالات الإقليم و بدا واضحا في مشهدها السياسي تشرذم الحركات السياسية.
1-الحزب الوطني
تاسس هذا الحزب في طرابلس بزعامة السيد احمد الفقيه حسن و هو من العائلات الطرابلسية العريقة سنة 1944م كتنظيم سري و تم الاعتراف به سنة 1946م، و لقد انبثق هذا الحزب عن أول نادي ثقافي يفتتح في طرابلس باسم"النادي الادبي" و كان هدفه الأساسي هو استقلال ليبيا موحدة، ثم طرح الامر بأن تصبح تحت وصاية مصرية. و نشب خلاف حول موضوع الوصاية أدى إلى انشقاق أحمد الفقيه حسن و تولي مصطفى ميزران رئاسة الحزب الوطني، و مصطفى من العائلات الطرابلسية العريقة كذلك.
2-حزب الجبهة الوطنية المتحدة
أعلن تأسيس هذا الحزب رسميا بتاريخ 10 مايو سنة 1946م و أسندت زعامته إلى سالم المنتصر و ضم الحزب عددا من وجهاء طرابلس و بعض المناطق القريبة منها مثل ترهونة و زوارة. و دعا هذا الحزب إلى استقلال ليبيا تحت زعامة إدريس السنوسي و له نشاط في هذا الشأن؛ غير انه اشترط عدم توريث الزعامة بعد إدريس السنوسي. ثم نشأت خلافات أدت إلى انشقاق سالم المنتصر من الحزب و تأسيس حزب آخر.
3-حزب الكتلة الوطنية
خرج هذا الحزب للوجود مع انشقاق أحمد الفقيه حسن عن الحزب الوطني حيث اسسه هو و أخيه على الفقيه حسن سنة 1946 و كانت ميول هذا الحزب جمهورية و بالتالى رفض زعامة إدريس السنوسي.
4-حزب الاتحاد المصري الطرابلسي
مؤسسي هذا الحزب اثنان انشقا عن حزب الكتلة الوطنية و هما الحاج يوسف المشيرقي و علي رجب و حدث هذا في ديسمبر 1946م و دعا الحزب إلى استقلال ليبيا تحت التاج المصري، و لم يلق هذا الحزب تجاوبا في الداخل أو الخارج.
5-حزب العمال
تأسس هذا الحزب تحت زعامة بشير بن حمزة بعد فصله من حزب الكتلة الوطنية في سبتمبر 1947م. و قد دعا إلى استقلال ليبيا تحت زعامة السنوسيين.
6-حزب الأحرار
تكون هذا الحزب بزعامة الصادق بن زراع أحد وكلاء الحزب الوطني و دعا إلى استقلال ليبيا تحت أمرة إدريس السنوسي، لكن هذا الحزب لم ينرك أثرا في الحياة السياسية.
7-حزب الاستقلال
أسس هذا الحزب سالم المنتصر سنة 1948م مع عدد من أعضاء حزب الجبهة الوطنية الذين انشقوا عنها. و قد دعا الحزب إلى استقلال ليبيا و ضرورة التفاهم مع ايطاليا في هذا الشأن مما أكسبه تأييد الجالية الايطالية في طرابلس و أصبح لها دور في نشاط هذا الحزب.
8- هيئة تحرير ليبيا
تأسست هذه الهيئة بالقاهرة في مارس 1947م بزعامة السيد بشير السعداوي و بتأييد من الجامعة العربية و دعت إلى استقلال ليبيا دون الاعتراف بزعامة إدريس مما أدى إلى عدم تجاوب أبناء برقة معها و لكن بمرور الزمن اقتنع السعداوي بأهمية الدور السنوسي في المعادلة الليبية و دعا إلى استقلال ليبيا موحدة تحت إمارة سنوسية.
9-حزب المؤتمر الوطني الطرابلسي
نتج هذا الحزب عن اندماج الحزب الوطني و الجبهة الوطنية المتحدة في شهر مايو سنة 1949م بزعامة بشير السعداوي و كان لهذا الحزب حضور كبير في الكثير من مناطق الإقليم و شارك في أول انتخابات نيابية.
          من هذا العرض السريع تتضح مشكلة النشاط السياسي في طرابلس و ما جاورها من مدن، فروح الانشقاق و التشرذم أفرزت تسعة أحزاب معروفة خلال خمسة سنوات ناهيك عن تلك التي ماتت في مهدها بعد بضعة شهور. و يبدو أن السبب الأساسي في كل هذه الحالات هو غياب الإطار الفكري الجامع فكل الحركات هدفها بسيط و مؤقت و هو الاستقلال و ليس لها رؤية جامعة و قادرة على استقطاب الجماهير و المحافظة على ولائها.
أول انتخابات بعد الاستقلال
بعد صدور قانون الانتخابات الذي أقرته الجمعية التأسيسية تحدد يوم 19 فبراير 1952 كموعد الاقتراع العام في أول انتخابات برلمانية بعد الاستقلال، و أخذت الأحزاب و الهيئات السياسية تسعى للحصول على تأييد الناخبين و جرت الانتخابات في جو صاخب و أسفرت النتائج عن فوز جبهة الحكومة بأغلبية ساحقة أزعجت المراقبين السياسيين. و لقد تدخلت أجهزة الدولة في الانتخابات بما يحقق لها الأغلبية فغيرت بعض شيوخ القبائل الموالين للحركات الوطنية و أتت بمن يضمن أصوات الناخبين لمرشحي الحكومة و تم تزوير الانتخابات في بعض المناطق. و كان جليا للعيان أن التيار الموالي للدول الغربية و التبعية لها قد تمكن من تحجيم التيار الوطني الرافض للتبعية و القواعد الأجنبية. و حدثت اضطرابات كبيرة في طرابلس و مصراتة و المناطق المجاورة لطرابلس و واجهتها قوات البوليس التي دربها الانجليز بعنف أدى إلى مقتل عشرة أشخاص و جرح حوالي 110 من المواطنين. و وضعت الحكومة المناطق المضطربة تحت رقابة البوليس و اتهمت قيادة حزب المؤتمر الوطني بتحريض القبائل على انتزاع السلطة و قامت بنفي السيد بشير السعداوي إلى مصر. و وجه المؤتمر الوطني لطرابلس نداء للملك قال فيه"إن الشعب الليبي يرى في هذه الحقائق تأكيدا للنوايا السيئة لتلامذة النظام الفاشي و عصر الامبريالية السابقين الذين عانت البلاد من حكمهم الآلام و الحرمان على مدى ثلاثين سنة".
 و في يوم25 مارس سنة 1952 افتتح أول برلمان ليبي بحضور الملك إدريس الأول في مدينة بنغازي و ألقى السيد محمود المنتصر رئيس الوزراء أول خطاب عرش في عهد الاستقلال.
      من هذا العرض السريع نرى كيف لجئت الدولة إلى وأد الديمقراطية في مهدها و قبل أن يجف حبر إعلان الاستقلال و نيل الحرية الذي صدر منذ عشرة أسابيع فقط، وتسرب عملاء ايطاليا و تلاميذ الانجليز إلى دواليب الدولة و تم إقصاء التيار الوطني ثم تحول الأمر إلى القضاء عليه بحل الأحزاب و اغتيال النشاط السياسي الوطني في نفس السنة.

أهم المصادر
1-محمد يوسف المقريف"ليبيا بين الماضي و الحاضر" مركز الدراسات الليبية أكسفورد، 2004م.
2-نيكولايبروشين"تاريخ ليبيا"، دار الكتاب الجديد المتحدة، الطبعة الثانية، يناير 2001م.
3-راسم رشدي"طرابلس الغرب في الماضي و الحاضر"، 1953م، نسخة قديمة.